لا حملية الإضافة ومواقع الربط الإعرابي(1 / 4 )*
د. حسين الزراعي **
د. حسين الزراعي **
0.مدخل :
من بين القضايا النحوية والتركيبية الأساسية التي دار حولها نقاش واسع في إطار الأدبيات التوليدية الحديثة ما دعي بالبنية الحملية وما تتطلبه من بنية موضوعية. والبنية الحملية مفهوم درس في الأدبيات النحوية القديمة تحت مفهوم البنية الإسنادية حيث الحمل يقابل مفهوم المسند، والحمل أو المسند يلزم عنهما مسند إليه. ويدخل الحمل(المسند) مع المسند إليه في علاقة حملية (إسنادية) أهمها العلاقة بين الفعل والفاعل وبين المبتدأ والخبر. وهناك نقاش فيما إذا كانت هذه العلاقة الحملية(الإسنادية) قائمة بين المضاف والمضاف إليه: إذ ما يطرح في الأدبيات التوليدة، خصوصا، أن بنية الإضافة تمثل بنية حملية يكون فيها المضاف هو الحمل(المسند) والمضاف إليه هو الموضوع(المسند إليه) الذي يسند إليه الحمل. وقد يكون للإضافة موضوعان في الإضافة المصدرية كما يحدث تماما في الجمل الفعلية فيكون للمصدر المضاف موضوعان (فاعل ومفعول) في عبارات من قبيل (من الضروري تعلم الطفل العربية الفصحى). حيث (الطفل) و(العربية) موضوعان للمصدر(تعلّم). وقد يكون للإضافة موضوع واحد فقط كما هو حاصل في الإضافة المحضة. وكل حمل يفرض بنيته الموضوعية؛ فالجمل الفعلية والمصادر العاملة لها موضوع أوأكثر، والمركبات الحرفية والإضافة المحضة لها موضوع واحد.
خلافا لما هو حاصل في الأدبيات التوليدية ندافع في هذا البحث عن (لاحملية الإضافة) بمعنى أنها لا تمثل علاقة إسنادية كافية، وأن الموازاة بين البنى الحملية التامة كما في بنية الجملة الفعلية وبين البنى الإضافية موازاة ليس لها ما يبررها تجريبيا وإن كانت مبررة من الناحية النظرية فقط.
سوف نستثمر في هذا العمل عددا من الأعمال الشهيرة الأساسية التي تناولت بنية الإضافة في العربية (الفاسي الفهري(1990-1998) وعقال(1996-1999) والرحالي(1999-2000) وحسين الزراعي(2004). وبنية الإضافة في الساميات وأعمال أخرى كما جاء في هككنبوثم(1985) وصبولشي (1989) وريتر (1991) و بورر (1994) وسيلوني(1994) ولنكوباردي(1994).
1.التوازي بين بنية الجملة وبنية المركب الإضافي :
لقد بدا واضحا أهمية الدور الذي لعبته الموازاة بين بنية المركبات الحدية الإضافية وبنية الجملة, فلقد ساهمت في إغناء بنية المركب الحدي الإضافي, وفي افتراض نظامٍ صُرفيٍ لهذا الأخير يعمل بنفس الطريقة التي يعمل بها نظيره في بنية الجملة.
وقد مثلت الأعمال الرائدة لكل من صبولشي (1989,1987)Szabolcsi وأبني((1987 والفاسي الفهري (1987) الملامحَ الجوهرية لهذا التوازي, ثم توالت سلسلة الأعمال التي بحثت خصائص المركبات الحدية الإضافية في الساميات بالتوازي مع نظام الجملة كأعمال (ريتر و سيلوني و لنكوباردي وآخرين).
وعلى الرغم من ذلك لا يعدم أن يطرح هذا التوازي مشاكل جوهرية على مستوى فهم الإحالة الداخلية والخارجية لبنية المركبات الحدية, كما أنه قد يطرح مشاكل وملابسات بالنسبة لمحتوى الحد في مقابل محتوى الصرفةinflection وما يعكسه كل منهما من سمات ترتبط بالرأس المعجمي. ومن هنا قد يأخذ التوازي بعدا مضللا أو خداعا نظرا لأننا نقيم توازيا ما بين نظامين: أحدهما غني بتصرفه وسماته وإسقاطاته, والآخر ليس له هذا الغنى؛ فالفعل يتصرف للزمن وللتطابق ويتصرف للجهة والوجه والموجهات, ويتفاعل مع النفي والاستفهام والمصدريات, وفي المقابل لا نجد ما يوازي هذا الزخم الواسع من السمات في الاسم الذي يرأس بنية المركبات الحدية الإضافية.
هذا الغنى في سمات الفعل له انعكاسه على إحالته كحمل محيل بقوة[1] ، كما أن فقر السمات في الاسم رأسِ بنية الإضافة يجعلنا نتنبأ بكون إحالته الخارجية ضعيفة أو منعدمة نظرا لغياب السمات المتعلقة بإشباع الحمل وهذا ما يجعلنا نشكك في قيام تواز حقيقي من الناحية التجريبية وإن كان له ما يبرره من الناحية النظرية.[2]
الإشكال الأساسي الذي نحاول تقديم تصور حوله في هذه المساهمة يتعلق بما إذا كانت بنية الإضافة تقوم كبنية حملية أم لا؟ وهل يلعب الزمن دورا في تصورنا للبنى الحملية؟ وكيف يتم ذلك؟
2.1.التصور اللاحملي للإضافة :
الافتراض الذي ندافع عنه من خلال هذه المساهمة ينبني على أساس تصور لبنية الإضافة مخالف لما هو شائع في الأدبيات, لأنه ينبني على التصور اللاحملي للإضافة: بمعنى أن بنية الإضافة ليست بنية حملية, كون رأس بنية الإضافة لا يؤول على الزمن الذي هو خاصية أساسية للحمول في اعتقادنا, كما يظهر من خلال التعميم الذي نورده في (1):
(1) س: حيث س حمل إذا وفقط إذا كان يؤول على الزمن.
أبسط صورة لتوضيح فكرتنا عن الحمل هو أن نلجأ أولا لتحديد عناصر البنية التي يفترض أن تقوم حملا اعتمادا على تحديد هيل وكيزر المشار إليهما في الهامش (8) فالبنية الحمليه لها مكونات أساسية وأخرى اختيارية كما نلاحظ من خلال (2):
(2) مكونات البنية الحمليه:
محمول + الموضوع الخارجي +(الموضوع الداخلي ) + (الملحق)
فالمكونان الموجودان بين الأقواس هما مكونان اختياريان, والمكونان الأساسيان لقيام بنية حملية هما "حمل + الموضوع الخارجي (الفاعل) ", بناء على تحديد هيل وكيزر (الهامش 8) المحدد في أن المحمول يتطلب مخصصا والمخصص يتطلب محمولا. فلنتأمل بنى الإضافة الموجودة في الأمثلة المضمنة في (3) .
(3) أ) أطربني ( صوت البلبل )
ب)أطربني ( غناء البلبل )
ج) (حريق الغابات ) منتشر في أمريكا
د)(كتاب الطالب ) على الطاولة
فبنى الإضافة الموجودة بين الأقواس هي ببساطة موضوعـات خارجية(فواعل) للمحمول الفعلي أطرب والمحمول الصفي منتشر والمحمول الحرفي على تباعا, بمعنى أن بنى الإضافة في الأمثلة عبارة عن مركبات حدية م.س, وهذه المركبات الاسمية تحتل موقع المخصص بالنسبة لمحمولاتها: المضاف والمضـاف إليه كلمة واحدة يكوّنان مركبا حديا يسوغ في أحد مواقع الجملة اعتمادا على تصور القدماء لبنية الإضافة (انظر الهامش 5 والهامش 9 أدناه ) وبعـض التصورات الحديثة (بورر (1994 )) و(عقال(1999). ولا يمكن اعتبار " البلبل " و "الغابات" و"الطالب" فواعل لرأس بنية الاضافه في( 3 أ,و 3 ب , و 3ج و3 د) على التوالي ؛ ومن هنا فإن أحد مكونات البنية الحملية غير وارد وهو الفاعل.[3]
فالذي أطربني في (3أ ) ليس "الصوت" وحده ولا "البلبل" وحـده بـل" صوت البلبل "، و"الحريق" في (3 ج) ليس هو المنتشر ولا"الغابات" بـل هـو حريق الغابات. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى إذا كانت رؤوس بنية الإضافة تمثل حملا فماذا عن المحمولات الواردة "أطرب" و"منتشر" و"على" تباعا؟
بالإضافة إلى ذلك فإن من بين ما اعتمدنا عليه لتحديد مفهوم البنية الحملية أن بنى الإضافة الموجودة بين الأقواس لا تقوم بمفردها؛ فعلى مستوى نحو الخطاب لا معنى لأن تقول لشخص: " غناء البلابل " أو" حريق الغابات " أو" كتاب الطالب " لأنها عبارة عن موضوعات مستقلة غير مربوطة بمحمولاتها. ومن خصائص البنى الحملية وفق هذا المنظور أن تؤول على الزمن, ونظرا لأن بنى الإضافة بجميع أنواعها لا تتضمن الزمن إلا بحدوس غير كافية لإقامة الحجة على صحتها فإنها ينبغي أن تربط إلى محمولاتها الفعلية أو الصفية أو الحرفية, وآلية الربط يبدو أنها إعرابية بالأساس نتيجة أن بنية الإضافة عبارة عن مركب حدي يسوغ كموضوع في موقع إعرابي في أحد مخصصات الحمل, وهذا هو الدور الذي يلعبه الإعراب في هذا التحليل؛ فهو مجرد مسوغ لربط الموضوع بالحمل الذي ترأسه الصرفة؛ فالإعراب ليس له دور في الإحالة لكنه يلعب دورا في تقديم المركبات الاسمية داخل مواقعها الجملية.
الهوامش :
*أشكر الأستاذ العلامة عبد القادر الفاسي الفهري لاستحثاثه لنا وتشجيعه لإخراج هذا البحث، كما أشكر الأستاذ الفاضل محمد الرحالي على ملاحظاته القيمة التي أخرجت البحث على هذا النحو.
** د. حسين الزراعي ، الأستاذ المساعد في جامعة صنعاء ، كلية الآداب والعلوم الإنسانية ، قسم اللغة العربية وآدابها .
[1] إحالة الفعل في هذا التصور تنبي على الدور الذي يلعبه الزمن في إغلاق الموقع المفتوح في الفعل عندما يصعد الفعل إلى الزمن؛ فدور الزمن في إحالة الفعل مشابه للدور الذي يلعبه الحد مع الاسم.
[2] نظريا, قيام التوازي مبرر بالمبادئ العامة لنظرية سَ, والنظرية الإعرابية والنظرية المحورية؛ بحيث تتألف بنية الإضافة من رأس وعدد من المحلات المفترضة كمحل المخصص والفضلة, والرأس الاسمي يسند الجر إلى الفضلة ويسند دورا محوريا لكل من المخصص والفضلة (شومسكي (1981), (1986) ). إلا أن هذا الأمر قد يقوََض تجريبيا حيث إننا نجد صعوبة في إيجاد علاقة محورية بين دار والرجل في (دار الرجل) أو بين يوم والأحد في (يوم الأحد) (راجع الفاسي(1993)). ومن الناحية الإعرابية, فالتصور الشائع بين اللسانين، حاليا، يذهب في اتجاه أن رأس بنية الإضافة لا يسند إعرابا, وإعراب الجر مسنَد في مجال رأس وظيفي أبني (1987) والفاسي الفهري (1987), (1990), (1993), (1998) وريتر(1991), وسيلوني (1994), ولنكوباردي (1996), وعقال((1999 والرحالي (1999) وحسين الزراعي(2004) وآخرون. هكذا نرى أن النظرية الإعرابية والنظرية المحورية غير واضحة في بنية الإضافة, وهذا الأمر يجعلنا نشكك في كون بنية الإضافة تتكون من رأس وعدد من المحلات؛ فما نعتقده هو أن المركب الإضافي بأكمله عبارة عن موضوع واحد كونه بحاجة إلى الربط داخل أحد المواقع الجملية لكي يشبع مطالبه الإعرابية والمحورية. لكن هذا الطرح بالرغم من ذلك يخلق مشاكل تتعلق أساسا بإعراب الجر وحقيقة أنه مشبَع في مستوى التركيب الإضافي وباستقلال عن دمج المركب الإضافي داخل النظام الجملي.
[3] نعلم أن المضاف إليه , في البنى (3) , يحتل موقع المخصص, وبالتالي هو فاعل نظرياً لكننا ندحض هذا التصور المبني على وجود علاقة محورية أو علاقة حملية بين المضاف والمضاف اليه.
يتبع =
تعليق